القائمة الرئيسية

الصفحات

عوض عمر يكتب : الأزمة السودانية وتعدد المبادرات الخارجية (٢-٢)

الأزمة السودانية وتعدد المبادرات الخارجية(٢-٢)
____________________


// عوض عمر 



🖋️ إن إنقسام الجبهة الداخلية بين السياسية والتنظيمات المدنية في السودان ، وحركة النزوح مع استمرار الحرب أدى إلى تشتت القوى السياسية وعجزها عن تقديم أي مبادرة داخلية ترتقي لمستوى التحدي الذي يهدد وحدة الدولة السودانية و مستقبلها 



 واضحى السودان سوقاً للمبادرات الخارجية الفاشلة التي لم تفلح في إحداث اي تغيير في المشهد السوداني بسبب ضبابية الطرح وتضارب المواقف والمصالح بين الدول ، وعدم أهلية هذه الدول لتولي ملف شائك التعقيد مثل ملف الأزمة في السودان ، إضافة إلى الأدوار المزدوجة التي تقوم بها بعض الدول ، زادت من إنسداد افق الحل السياسي واصبحت الأوضاع اشدضبابية وقتامة .




منظمة الإيغاد التي تتكون من دول تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية ، ورغم مضى أكثر من عقدين من الزمان على إنشائها، فأنها لم تفلح في التسوية السلمية للأزمات التي تعاني منها أعضاؤها، فقد سبق لها أن توسطت لحل الأزمة الصومالية في عام ٢٠٠٥، تلك المأساة التي تطاول أمدها. 



 واستضافت العاصمة السودانية الخرطوم عدة جولات بين اتحاد شباب المحاكم الإسلامية والحكومة الصومالية المؤقتة ولكن تلك الجهود ذهبت إدراج الرياح بسبب تعنت أطراف الصراع من جهة و تباين المواقف الرؤى بين الدول المكونة للمنظمة تجاه حل الأزمة من جهة، و افتقار المنظومة لآليات الضغط لإجبار الأطراف عل قبول وتنفيذ ما اتفق عليه من جهة ثالثة، واكتفت المنظمة بشجب وإدانة الأطراف الصومالية المتحاربة إعلامياً فقط حيث َما تزال الأزمة مستمرة حتى اليوم بعد ثلاثة عقود من اندلاعها رغم تراجع وتيرة الحرب . 



وعندما اندلع القتال بين الحكومة الاثيوبيا وجبهة التقراي فى صيف ٢٠٢٢، سارعت الايقاد إلى عقد قمة طارئة للبحث عن حلول للأزمة وشكلت لجنة رباعية أوكلت رئاستها إلى الحكومة السودانية، فرفضت إثيوبيا رئاسة السودان لهذه اللجنة بسبب الحرب بينها والسودان في منطقة الفشقة الحدودية، حيث اعتبرت أن السودان خصماً ولا يمكن أن يكون حكماً في الوقت نفسه ٠

 اما دول جوار السودان فقد ظلت تقدم المبادرة تلو الأخرى لإحلال السلام في السودان، فقد سبق أن تقدمت مصر بالتنسيق مع ليبيا مبادرة عرفت في حينها بالمبادرة المصرية الليبيا للتسوية السلمية للنزاع في السودان عام ١٩٩٦ بين حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير والتجمع الوطني الديموقراطي المعارض للنظام آنذاك، وفشلت المبادرة لإيجاد حل سياسي للأزمة بين الطرفين كما فشلت جهود مصر اليوم في حل الصراع المستمر منذ إبريل الماضي .




اما جنوب السودان فقد نجحت فقط في التوسط لتوقيع اتفاق للسلام في عام ٢٠٢٠بين حركات دارفور المسلحة وحكومة السودان التي تشكلت عقب الإطاحة بنظام الرئيس البشير ولكنها فشلت في حمل الأطراف على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وهناك أدوار سياسية لدودل أخرى في أزمات السودان المستفحلة منذ الاستقلال مثل كينيا التي استضافت الحوار بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام ٢٠٠٢ توجت بتوقيع اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا في عام ٢٠٠٥، وهناك مبادرات وأدوار لكل من إثيوبيا وتشاد فيما يخص الأزمات السياسية في السودان لكن جميعها باءت بالفشل.




ولأول مرة تستضيف وتقود المملكة العربية السعودية وأمريكا مبادرة للتوفيق بين الفرقاء السياسيين في السودان فيما عرفت بمنبر جدة والتي هدفها التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في السودان، رغم التعثر الواضح الذي ظل يلازم كل جولاته.




إن هناك عدة أسباب أدت إلى فشل جهود نزع فتيل الأزمة الحالية في السودان، أولها الأدوار المزدوجة التي تلعبها بعض الدول المجاورة للسودان، فلا ينبغي أن تقدم دولة ما مبادرة موازية لمبادرة الايقاد ومنبر جدة رغم أن وجود منبر جدة ومبادرة الايقاد نفسها ظاهرة غير سليمة، فلا يمكن أن يتم تسوية أزمة سياسية واحدة في منبرين منفصلين، فقد بدا الأمر وكأن هناك تنازع خفي بين هذه الدول حول ملف الأزمة في السودان مما زاد من تطاول أمد الحرب و تمددها وتفاقم المآسي الإنسانية الناجمة عنها، السبب الآخر لفشل جهود التسوية للأزمة في السودان غياب آليات للضغط على الأطراف المتقاتلة لإيقاف الحرب والقبول بتسوية شامله تخرج السودان وشعبه من المأزق التاريخي الذي يعيشه الآن، 


ولابد من إستحداث آليات وأدوات للضغط، سواء كانت هذه الآليات صارمة أم ناعمة. 


والسبب الثالث لفشل أيقاف الحرب وإحلال السلام هو الاستقطاب الداخلي الذي تقف خلفه و تدعمه القوى السياسية وعدم رغبة أو استعداد الأطراف المتحاربة لقبول مبدأ التسوية السلمية للأزمة.



إن إنهاء الحرب و إحلال السلام بالسودان في الوقت الراهن ليس بالأمر السهل، إن أراد العالم إيقاف الحرب وإحلال السلام عليه أن يتخذ خطوات جدية لذلك، منها توحيد كل المبادرات المطروحة في مبادرة واحدة و تقديم كل أنواع الدعم له، على المستويين الإقليمي والدولي، وإيقاف كل تلك المبادرات التي لا يُرتجى منها سوى ضياع الوقت وتشتيت الجهود ثم إعمال آليات للمراقبة والضغط على أطراف الصراع، ليس للقبول بالتسوية بل لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في ذلك المنبر المقترح وتلك المبادرة الموحدة وحشد الدعم الدولي الموارد المالية والمساعدات الفنية للتنفيذ، 



وخصوصاً أن هذه الحرب قد دمر كل شيء في السودان، و بذل الجهود الدولية والإقليمية لتوحيد القوى السياسية والمدنية السودانية التي لم تحاسبها ضميرها بالتخلي عن أجندتها الحزبية و الأيديولوجية حتى اليوم، رغم المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني بسبب المصالح الحزبية العقيمة التي اقعدت السودان وشعبه عن ركب الأمم منذ أن نال إستقلاله في عام ١٩٥٦ .




 ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٣



____________________

تعليقات

التنقل السريع