القائمة الرئيسية

الصفحات

عوض عمر يكتب : اتفاقية جوبا للسلام تُحتضر!


*اتفاقية جوبا للسلام تُحتضر!* 
___________________



// عوض عمر


 🖌️ليس هناك موقف أشد صعوبة مما تعيشه اليوم الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاقية السلام بجوبا في الثالث من أكتوبر ٢٠٢٠، بسبب تعقيدات الأزمة السياسية في السودان منذ توقيع تلك الاتفاقية وحتى تاريخ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ تاريخ اندلاع أسوأ حرب في السودان، فقد وضعت هذه الحرب الحركات أطراف السلام في موقف لا تحسد عليه، لأن الحرب قد اندلعت بين شركاءها في السلطة بل بين قمة هذه السلطة والحركات مسلحة جزء من السلطة الحاكمة، وكانت مجموعة منها قد دعمت الطرفين المتقاتلين؛ قوات الدعم السريع و الجيش للانقلاب على الحكومة المدنية الانتقالية في الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١ في مخالفة صريحة و واضحة وغير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث ان يقوم قائدالجيش بانقلاب عسكري لحكومة إنتقالية هو جزء منها ، جاءت بعد أعظم ثورة شهدها تاريخ السودان الحديث ، مهمتها تهيئة المناخ لتحول ديمقراطي حقيقي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من حكم نظام عسكري ديكتاتوري.




المهم أن الحركات المسلحة بعد ذلك الانقلاب، صارت لا تمتلك قراراً لتنفيذ الاتفاق الذي وقعت عليه مع حكومة الفترة الانتقالية، و كانت في وقت سابق قد اتهمت فيه الشق المدني المتمثل في الحرية والتغيير بتعطيل تنفيذه، وعقب الانقلاب وإقصاء الحرية والتغيير، وفي ظل حكومة الانقلاب ظلت الأمور كما هي و لم تتجرأ أطراف السلام على انتقاد المؤسسة العسكرية التي ادارت ظهرها لهذه الاتفاقية ولم تعد تنفيذها من اهتماماتها، و أن بقاء قيادات الحركات المسلحة في السلطة فقط هو الدليل على الإلتزام بها ، وكأن الاحتفاظ بالمناصب وحدها هي الغاية الوحيدة من بنود ذلك الاتفاق الذي يتكون من ثمانية بروتوكولات .



عقب اندلاع الحرب بين شريكي السلطة، الجيش والدعم السريع ازدادت موقف الحركات المسلحة ارتباكاً، فهي لاتستطيع الإنحياز لاي من الطرفين لذا اعلنت أنها محايدة في هذه الحرب ، وناشدت طرفيها بتغليب الحوار ووقف إطلاق النار ومعالجة القضايا الخلافية عبر التفاوض ، ما عدا الحركة الشعبية جناح مالك عقار التي أعلنت إنحيازها ودعمها الصريح للقوات المسلحة لأنها لا تستطيع أن تعلن الحياد بعد أن قامت بعملية الترتيبات الأمنية و دمجت جيشها في القوات المسلحة؛ وحركة مصطفى تمبور التي أعلنت هي الأخرى الوقوف خلف القوات المسلحة، فهم مجموعة أفراد انشقوا عن عبدالواحد محمد نور و وقعوا على اتفاقية جوبا للسلام ، ولا وجوداً عسكرياً لهم على أرض الواقع. 



لم ترض موقف الحياد التي اتخذته حركات الكفاح المسلح قيادة القوات المسلحة و من خلفها أنصار النظام البائد، فإما ان يدخل الجميع الحرب دعماً للقوات المسلحة باعتبارها تحارب مليشيا تمردت على الدولة أو تصنيفهم في قائمة الخونة والعملاء الذين يجب ابعادهم وعزلهم عن المناصب التي تقلدوها، تنفيذاً لبند اقتسام السلطة التي أقرتها الاتفاقية وكأن هذه المناصب منة تقدم بها الجيش وليس بناءً على ما ورد من استحقاق في اتفاقية جوبا للسلام.



إن المؤسسة العسكرية بدأت تمارس ابتزازاً على الحركات المسلحة بسبب هذه الحرب، فبدأ رئيس مجلس السيادة بإجراءت غير دستورية فعزل معظم الوزراء من أطراف العملية السلمية الذين كانوا جزء من الحكومة، بداية بأثنين من اعضاء مجلس السيادة الدكتور الهادي إدريس، ثم الطاهر حجر وعدداً من الوزراء الذين جاءوا الي هذه المناصب بشرعية اتفاقية جوبا للسلام، كان آخرهم نمر محمد عبدالرحمن، والي ولاية شمال دارفور ولم يتبقٓ بالحكومة من أطراف العملية السلمية - مسار دارفور إلا وزير المالية دكتور جبريل ابراهيم وأحمد آدم بخيت وزير الرعاية الاجتماعية من العدل والمساواة و حاكم إقليم دار فور مني أركو مناوي و وزير المعادن محمد بشير ابو نمو من جيش تحرير السودان ، ونخشى ان يؤكلا يوم أُكل الثور الأسود، فالصمت على التجاوزات الدستورية والسكوت على عزل رفاق الأمس و شركاء اليوم لا يوقف طوفان العزل والاقالات لمن تبقى في السلطة . إن إعلان التخلي عن الحياد فقط دون خوض غمار الحرب ميدانياً لن تقنع الداعون لإستمرارها بأن الحركات المسلحة جادة في موقفها المساند للقوات المسلحة في حربها ضد الدعم السريع. 

هناك من يقول أن اتفاقية السلام الموقع بجوبا قد دخلت مرحلة الموت السريري منذ أن اعاق المكون العسكري تكوين قوة حماية المدنيين بدارفور، تلك القوة التي لم يؤخر نشرها سوي اتخاذ القرار فقط، حيث تعمد البرهان و زمرته عدم إصدار توجيهات بتنفيذ الامر، و باندلاع الحرب وعزل أطراف العملية السلمية عن الحكم قد بدأت هذه الاتفاقية تحتضر وعزل حاكم دار فور مني أركو مناوي و وزير المالية الدكتور جبريل ابراهيم، هي رصاصة الرحمة التي سيطلقها قريباً قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، هذا إن لم تنفض الحركات التي تم عزل قيادتها عن السلطة يدها عن هذه الاتفاقية التي لم تطبق منها سوى الشق المتعلق بتقاسم السلطة، ولم تصمت الحركات المسلحة عن عدم تطبيق بنود الإتفاق إلا حفاظاً على مواقع قياداتها في السلطة وما الذي يضيرها إن نفضت يدها عن اتفاق جوبا للسلام بعد ان تم إبعادها عن السلطة . 


اما قضايا النازحين اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم وغيرها من القضايا لم تعد من أولويات أي من أطراف السلطة وخصوصاً بعد أن أصبحت كل دارفور بولاياتها الخمس معسكراً كبيراً النازحين في العالم بعد إندلاع الحرب منذ تسعة أشهر ٠










     *١١/ يناير/ ٢٠٢٤* 
 

____________________

تعليقات

التنقل السريع