القائمة الرئيسية

الصفحات

عوض عمر يكتب : الحركات المسلحة ... فرص البقاء و مؤشرات الفناء (٢-٣)


*الحركات* *المسلحة — فرص البقاء و مؤشرات* *الفناء(٢-٣)* *____________________* 


 // عوض عمر




🖌️ في الحلقة الماضية كنا قد ذكرنا أن الانقسامات والانسلاخات المتتالية أحد الموبقات المهلكات التي شكلت تحدياً حقيقياً للحركات المسلحة، وهي احد علل الأحزاب والتنظيمات السياسية في السودان منذ الإستقلال ، ولم يسلم منه حتى النظام الحاكم نفسه الذي جاء إثر انقلاب عسكري في صبيحة يوم الجمعه الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م، غير أن إنشقاقات وإنقسامات الحركات الثورية في دار فور تعتبر حالة منفردة و إستثنائية تستحق الدراسة والتأمل. 

لقد بدأ مسلسل الانقسامات السياسة والعسكرية وسط الحركات المسلحة في فترة مبكرة من نضالها ضد النظام الحاكم وكان اول انشقاق شهدته الحركات المسلحة في العام ٢٠٠٥ وذلك عندما عقدت حركة تحرير السودان، احدى الحركتين المسلحتين مؤتمراً في بلدة حسكنيتة في اكتوبر من ذلك العام ، وناقشت فيما ناقشت المسائل التنظيمية، و بناءً على مداولات المؤتمر فقد تم عزل رئيسها الاستاذ عبد الواحد محمد احمد النور واٌختير مني اركو مناوي الذي الذي كان يشغل منصب الأمين العام لرئاسة الحركة، بينما تمسك عبدالواحد محمد أحمد النور برئاسة الحركة، رافضاً مخرجات المؤتمر الذي قضى بعزله. 


وهكذا أنقسمت الحركة إلى جناحين متنافرين ، و كان من نتائجها إنقسام الحاضنة الشعبية لهما، بما فيها شريحتي اللاجئين والنازحين الذين وحدتهم بطش وجبروت النظام البائد وفرقة بينهم الانتماء والولاء السياسي.

إن إنقسام حركة تحرير السودان كانت الشرارة التي ازكت ظاهرة الانقسامات وسط الحركات المسلحة، فقد شهدت حركة العدالة والمساواة هي الأخرى إنقساماً في صفوفها وذلك عندما أعلن المهندس محمد صالح حربة الانقسام عن الحركة وتكوين حركة جديدة.
وفي خضم المعارك بين الحكومة المركزية والحركات المسلحة التي رغم انقساماتها استطاعت إلحاق الهزائم المتتالية بالنظام، أعلن الاتحاد الافريقي بالتنسيق مع الأمم المتحدة عن مبادرة لإيقاف الحرب وإحلال السلام في دارفور، بالعاصمة النيجيرية ابوجا في أواخر العام ٢٠٠٥، فدخلت الحركات المسلحة وهي منقسمة على نفسها، كان يمكن توحيد الرؤى حول القضايا المحورية التي بسببها اندلع القتال في الإقليم، وتغليب مصلحة الشعب الدارفوري الذي تعامل معه النظام بوحشية فاقت حد التصور، الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا المطروحة في طاولة الحوار لا تلغي الأهداف التي نادت بها الحركات المسلحة وقدمت في سبيلها آلاف الشهداء ومثلهم من الجرحى. أن خلافات الحركات المسلحة أثناء المفاوضات قد أضعف موقفها التفاوضي و منح النظام مساحة كبرى للمناورة، استطاع من خلاله ان يباعد بين مواقف ورؤى الحركات المسلحة حول القضايا المطروحة في المنبر مثل تعويض ضحايا الحرب وجبر الضرر ومستويات الحكم علاوة على الترتيبات الأمنية وعودة النازحين اللاجئين إلى ديارهم وأخيراً بعد الضغوط التي مارستها الوساطة على كافة الأطراف ، وقع مني اركو مناوي على الاتفاق النهائى وأصبح بموجبه كبير مساعدي رئيس الجمهورية ومنحت الحركة تمثيلاً رمزياً في المجلس الوطني وعدد محدود من الوزرات على مستوى المركز والولايات و رئاسة بعض المفوضيات، 



و لحق باتفاقية ابوجا كل من حركة تحرير السودان الأم بقيادة أبوالقاسم إمام الحاج علي، وأصبح والياً لولاية غرب دارفور، و البروفيسور عبد الرحمن موسى أبكر رئيس حركة تحرير السودان الارادة الحرة وأصبح مستشاراً للبشير. 

بينما رفض كل من دكتور خليل ابراهيم رئيس حركة العدالة والمساواة الذي كان يصر على ان يصبح النائب الثاني من دارفور و عبدالواحد محمد احمد النور رئيس حركة تحرير السودان الذي تمسك بطرد المستوطنين الجدد من الأراضي التي قاموا باحتلالها وعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم الأصلية مع تعويضهم فردياً و جماعياً كشرط للتوقيع على الاتفاق وتمسكا بموقفهما الرافض لهذه الاتفاقية ما لم تتضمن هذه المطالب العادلة. 

لقد إزدادت الهوة وتعمقت الخلافات بين الحركات المسلحة عقب توقيع اتفاقية ابوجا، وتم تصنيف حركة تحرير السودان بقيادة مناوي التي وقعت على اتفاق ابوجا في خانة الأعداء من قبل الحركات المسلحة الأخرى ، حيث أصبحت قواته هدفاً مشروعاً باعتبار انه لا يختلف عن نظام المؤتمر الوطني المستبد وان حركته خانت الثورة واجهضت مشروع تفكيك النظام، وغيرها من الاتهامات التي لا اساس لها سوى الغيرة السياسية.

وهاجمت حركة العدالة والمساواة المواقع التي كانت تتمركز فيها قوات حركة تحرير السودان في مهاجرية و شعيرية، فآثرت الحركة الانسحاب من هذه المواقع، تقديراً لروح النضال المشترك ضد النظام الشمولي، بينما اتخذت قوات حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد احمد النور جبل مرة مقراً لها و تحصنت فيها وأصبحت جبل مرة منطلقاً لعملياتها العسكرية ضد قوات النظام. 

خلال تلك الفترة حدثت مجموعة من الانشقاقات، حتى داخل الحركات المسلحة التي انسلخت من الحركات الرئيسية الثلاثة واصبحت دار فور مليئة بالحركات المنشقة من الحركات المنشقة من الحركات المسلحة التي لم تجمع بينهاأي رابط او مشروع سياسي سوي كلمة التحرير، بصورة افقدتها إحترام قاعدتها الجماهيرية التي كانت تزداد يوماً بعد الآخر .

وتكونت جبهة الخلاص الوطني من مجموعة من تلك الفصائل المنشقة وحركة العدالة والمساواة و لم تقف عند تهديد النظام بالحرب فقط وإنما اتبعته بالعمل و شنت عدة هجمات عسكرية ضد الجيش الحكومي، لكن الخلافات حول هيكلة جبهة الخلاص الوطني قد عصفت بها، بعد أن اتهمت الفصائل الأخرى حركة العدالة والمساواة بمحاولة السيطرة على التنظيم من خلال الدفع بكوادرها لشغل معظم المواقع القيادية في التنظيم الوليد تلك الاختلافات قادت إلى اندلاع مواجهات مسلحة بين فصائل جبهة الخلاص الوطني وحركة العدالة والمساواة وبالتالي تمزق وحدتها .

 لقد عادت حركة تحرير السودان قيادة مناوي إلى العمل المسلح مرة أخرى بعد أن تعمد النظام عدم تنفيذ اتفاق ابوجا خصوصاً البنود المتعلقة بعودة النازحين و اللاجئين و التعويضات الفردية والجماعة الجماعية والأرض والحواكير وجبر الضرر، وحاول النظام التركيز على تنفيذ بند الترتيبات الأمنية لتجريد الحركة من قوتها وآلياتها العسكرية واستيعاب مقاتليها في الجيش السوداني واستخدامهم آليات لقمع الحركات ًالمسلحة التي لم توقع على الاتفاق و أصرت على قتال النظام الحاكم.


 لقد آثر الكثير من قيادات الحركة التمسك بالسلطة و واعلنوا أنهم مع خيار السلام و اصدروا بياناً أقالوا فيه رئيس الحركة مني اركو مناوي من منصبه. 

كان النظام الحاكم يتحرك على كافة المحاور و المستويات، العسكرية والسياسية والديبلوماسية، بعد أن هدأ القتال في جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق نتيجة لاتفاق نيفاشا، مستغلاً حالة التشرزم والشتات التي تعاني منها حركات الكفاح المسلح بدارفور .

 شهد نهاية العام ٢٠٠٩م بداية الإجراءات التمهيدية للانتخابات العامة في السودان و التي ستجري في الربع الأول من العام ٢٠١٠م وفق ما نصت عليه اتفاقية نيفاشا بين النظام الحاكم والحركة الشعبية. ومع اقتراب موعد الانتخابات التي ستجرى في أبريل وكنوع من التكتيك السياسي، وقع النظام الحاكم مع حركة العدالة والمساواة اتفاقاً إطارياً بالعاصمة التشادية إنجمينا في فبراير ٢٠١٠م في خطوة فاجأت المراقبين قبل الحركات المسلحة الأخرى التي ما زالت تحمل السلاح ضد النظام الحاكم. 


و مضى النظام إلى أكثر من ذلك عندما وقعت اتفاقاً إطارياً آخر في الدوحة تحت رعاية قطر مع حركة التحرير والعدالة برئاسة الدكتور التيجاني السيسي التي تكونت من مجموعة من الحركات المسلحة الصغيرة التي لا وزناً عسكرياً ولا سياسياً لها، واستكملت المفاوضات بتوقيع اتفاقية الدوحة لسلام دار فور في يوليو ٢٠١١م منح بموجبها حركة التحرير والعدالة وعدداً من الوزرات على مستوى المركز والولايات وأعضاء في البرلمان القومي والولايات و عين رئيسها التجاني السيسي في منصب رئيس السلطة الاقليمية لدارفور، وإنشق فصيل آخر من حركة العدالة والمساواة بقيادة دكتور جبريل ووقع على اتفاقية الدوحة في عام ٢٠١٤م حيث قتل زعيمها محمد بشر ونائبه اركو سليمان ضحية وآخرين عندما كانوا في طريقهم إلى مدينة الجنينة من دولة تشاد المجاورة في حادثة قوبلت بالتنديد عل المستوى الداخلي والخارجي. 



و لجأ النظام الحاكم إلى تنفيذ الاتفاقية بطريقة إنتقائية حسب مزاج القائمون على أمره. و أصابت لعنة الانشقاقات حركة التحرير والعدالة فأنقسمت إلى فصيلين، أحدهما حركة التحرير العدالة القومي برئاسة التيجاني السيسي والآخر حركة التحرير والعدالة الأصل بقيادة بحر إدريس ابو قردة، وضاعت الكثير من المكتسبات في شتى مجالات التنمية بسبب التشاكس بين الحركتين، رغم الدعم السخي التي قدمته دولة قطر. 

كانت حركة العدالة والمساواة قد رفضت مشاركة الحركات مسلحة الأخرى في منبر الدوحة التي ستناقش القضايا التفصيلية ذات الأبعاد السياسية والعسكرية وفق الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليها الحركة في إنجمينا بينما أصر النظام و الوساطة القطرية على مشاركة كل الحركات المسلحة التي ترغب في الانضمام إلى مسيرة السلام، فغادر رئيس حركة العدالة والمساواة الدكتور خليل إبراهيم العاصمة القطرية الدوحة غاضباً ، متوجهاً إلى إنجمينا وقد ترك رسالة مكتوبة إلى الوساطة هدد فيها بمقاطعة المنبر إن لم يتم الاستجابة إلى طلبه بإبعاد الحركات الأخرى عن المنبر. 



وعندما وصل إلى إنجمينا لم يحظ بالترحاب من قبل الرئيس التشادي إدريس ديبي فقد كان منبر الدوحة نتيجة جهود دبلوماسية جبارة بين ديبي والبشير بعد توتر العلاقات بين البلدين بسبب إلاتهامات المتبادلة بين الدولتين بإيواء كل طرف وتدريب وتسليح حركات معارضة ضد الطرف الآخر للإطاحة به ، وذهب ديبي إلى أبعد من ذلك عندما قام بمصادرة جواز سفر الشهيد دكتور خليل إبراهيم و تسبب في حرج بالغ لقيادة الحركة وبعد و ساطات، غادر دكتور خليل إلى ليبيا ومكث فيها زهاء العامين إلى أن اطاحت الثورة الشعبية المسلحة المسنودة بالتدخل العسكري من الغرب وبعض الدول العربية بنظام الرئيس القذافي الذي كان يعتبره الكثيرون خميرة عكننة ضد التوجه الديبلوماسي للأنظمة العربية ٠


خرج الشهيد الدكتور خليل إبراهيم من ليبيا بعد الاطاحة بنظام القذافي في مطلع العام ٢٠١١م وسط ارتال عسكرية من قواته، وربما كان متوجهاً إلى جنوب السودان و كان النظام يراقب ويرصد تحركاته وعندما وصل إلى ولاية شمال كردفان و بالتنسيق مع أجهزة استخبارات الدول الحليفة له، استطاع النظام إغتياله بالقرب من بلدة ود بندة بولاية شمال كردفان.



وسرعان ما اختارت الحركة الدكتور جبريل إبراهيم رئيساً للحركة خلفاً لشقيقه الراحل الدكتور خليل إبراهيم.


في مطلع العام ٢٠١١م تم إجراء إستفتاء لشعب جنوب السودان وفق ما اتفق عليه في نيفاشا كي يحدد مصيره بين التصويت للوحدة ضمن جمهورية السودان بحدود عام ١٩٥٦م او الإنفصال عنه وتأسيس دولة جديدة، و لم يكن مفاجئاً للمراقبين إن صوت شعب جنوب السودان للإنفصال بنسبه بلغت ٩٠٪ ، وهكذا أصبحت جنوب السودان جمهورية مستقلة قائمة بذاتها.



لقد ترتب على إنفصال جنوب السودان اندلاع الحرب في المنطقتين، جنوب كردفان و النيل الأزرق بسبب قضايا لم يتم حسمها في اتفاقية نيفاشا وظلت معلقة طوال الفترة الانتقالية التي استمرت ستة أعوام، مثل المشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الأزرق وقضية تبعية منطقة ابي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.



 كان القتال هذه المرة بين الحركة الشعبية قطاع الشمال والنظام أشد ضراوة حيث تفجرت المعارك داخل مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان و الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق وتمددت رقعة القتال لتشمل أنحاء واسعة من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.



وهكذا أصبحت معظم الولايات التي تتطلق عليها الهامش السوداني، في كردفان ودار فور ساحات لمعارك عسكرية شرسة بين الحركات المسلحة والنظام الحاكم في السودان.


 و مع اقتراب نهاية العام ٢٠١١م تكونت الجبهة الثورية السودانية في ١١ نوفمبر من نفس العام، كإوسع تحالف سياسي و عسكري عقب إنفصال جنوب السودان ٠



 *٣٠ / يناير/ ٢٠٢٤م*  


 *___________________*

تعليقات

التنقل السريع