القائمة الرئيسية

الصفحات

عوض عمر يكتب : الحركات المسلحة .. فرص البقاء ومؤشرات الفناء الجزء الأول

*الحركات المسلحة - فرص البقاء* *ومؤشرات الفناء* *(١-٣)* 
*____________________* 



// _عوض عمر_ 




🖌️ لم يكن الكفاح المسلح الذي اندلع في فبراير ٢٠٠٣ ضد الحكومة المركزية في الخرطوم الحركة الاحتجاجية الأولى لابناء دارفور ، فقد سبقته عدد من الحركات السياسية المطلبية السلمية مثل حركة اللهيب الأحمر التي قامت بعد عام واحد فقط من الاستقلال، أي في عام ١٩٥٧م والتي كانت تنادي إجراء إصلاحات سياسية تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة ، و حركة سوني المسلحة في عام ١٩٦٣ التي كان قوامها بعض أبناء دافور الذين عملوا في القوات المسلحة ثم جبهة نهضة دارفور عام ١٩٦٤ التي لم تكن تنظيماً مسلحاً، فقد غلب على عملها الطابع السياسي، وحركة داؤود يحي بولاد احد كوادر الحركة الإسلامية الذي اكتشف في وقت مبكر اجحاف الحركة الإسلامية في حق أبناء الهامش فإنشق عنها و إنضم إلى الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وقاد العمل العسكري ضد النظام عام ١٩٩٢ و رفعت السلاح في وجه الطاغية كوسيلة لانتزاع الحقوق المشروعة ولكنه قضى نحبه، حيث تمكن النظام من القضاء على حركته المسلحة في مهدها ٠ 




كان القضاء على حركة داؤود يحي بولاد ملهماً لانبعاث حركات ثورية جديدة في دارفور، وبعد عقد من القضاء على حركة بولاد العسكرية، انفجر صراع مسلح في دارفور ضد النظام الحاكم في عام ٢٠٠٣ ، تحمل ذات المطالب السياسية التي نادت بها الحركات الاحتجاجية التي سبقته في الإقليم ٠

فقد شن كل من حركة العدالة والمساواة وحركة تحرير السودان الحرب ضد الدولة المركزية في عام ٢٠٠٣ بعد أن رفض النظام الحاكم الاستجابة لمطالبها ، وقد امتازت الحركتان المسلحتان بقوة الطرح وتميزتا       بالقوة العسكرية الخاطفة في مقارعة نظام ايديلوجي عمل على فرض مشروعه السياسي بالقوة العسكرية بعد أن تحدى من بالخارج وهدد من بالداخل.


وتمسكت الحركتان بحمل السلاح من أجل تنفيذ مطالبها التي لم تعد تنموية خاصة بإقليم دار فور فقط و إنما أصبحت سياسية قومية بما في ذلك إعادة صياغة الدولة السودانية على قيم جديدة اساسها العدل والمساواة على كافة الأصعدة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وادخلت موضوعات جديدة لم تتطرق لها التنظيمات المطلبية السابقة مثل إعادة تعريف الهوية السودانية والعلاقة بين الدين والدولة. 

لقد اكتسبت الثورة زخماً كبيراً عندما تحالفت هذه القوى المسلحة من دارفور مع الحركة الشعبية قطاع الشمال التي ظلت تقاتل الحكومة المركزية منذ ثلاثين عاما في تحالف عريض عرف باسم الجبهة الثورية السودانية، ذلك التحالف الذي تم أنشاءه في عام ٢٠١١ عقب إنفصال جنوب السودان وضمت حركة العدل والمساواة السودانية وحركة تحرير السودان جناح مناوي وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد احمد النور و الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة من شرق السودان 



كما ضمت بعض الشخصيات المدنية المنسلخة من احزابها السياسية مثل نصرالدين الهادي المهدي المنسلخ من حزب الأمة والتوم هجو من الحزب الاتحادي الديموقراطي وهكذا ولأول مره تتحد قوى الهامش السوداني التي تقاتل الحكومة المركزية في منظومة واحدة مضاف إليها بعض الشخصيات المدنية، في اوسع تحالف سياسي شهده تاريخ الكفاح المسلح في السودان بعد افول نجم التجمع الوطني الديموقراطي. 

. ورغم ذلك فقد أخفقت هذه الحركات المسلحة في تلبية امال وتطلعات أبناء الإقاليم المنحدرة منها في تحقيق العدالة والتنمية والمساواة كما وعدت بها .




 لقد اتضح بعد أقل من عقد من الزمان ان هذه الحركات المسلحة، هي الأخرى مصابة بكل أمراض وعلل السياسة السودانية التي اعاقت مسيرتها وشوهت صورتها وشككت في مصداقيتها لدى المراقبين وقبلها المؤيدين لطرحها ، تلك العلل التي شلت قدرتها في الماضي وهددت حاضرها و مستقبلها، و رسمت صورة سيئة لها خلال سني نضالها وربما تؤدي بفنائها إن لم يكن عاجلاً فآجلاً ٠



 فقد طغى على قادتها حب الرياسة، وغياب الممارسة الديموقراطية التي كانت واحدة من شعاراتها ومطالبها، وسيادة الشلليات في وسطها ، والتقوقع والإنكفاء على الذات وغياب العمل التنظيمي والجماهيري وإفتقاد الآليات والأدوات اللازمة لإنجاز المطالب العادلة التي ظلت تقاتل من أجلها على مدى عقود و التعويل على السلاح كأداة و وسيلة وحيدة للتعامل مع الشأن السياسي حتى في الحالات التي تتطلب عملاً سياسياً وعدم المقدرة على التعاطي الإيجابي مع المستجدات التي تطرأ الساحة السياسية ، وأسوأ ظاهرة ابتليت بها الحركات الثورية المسلحة هي الانقسامات والانسلاخات المتتالية حتى فاق عددها أندية كرة القدم في السودان. 



و هكذا أصبحت الحركات المسلحة رغم ما قدمته من نضال و تضحيات وشهداء ، باتت تحمل بذور فنائها في داخلها ، رغم أنها اكتسبت صيتاً على المستويين المحلي والاقليمي والعالمي ٠



 لم يكن أشد المتشائمين بها وبمستقبل عملها السياسي كان يتوقع ان تصل إلى ما وصلت إليه اليوم، يقال أن العمل بلا تنظير تخبط وأن التنظير بلا عمل عجز، فقد كشفت الممارسات العملية ان هنآك فجوة كبيرة بين ما ترفعه



 هذه الحركات الثورية المسلحة من شعارات وما تتشدق بها من مبادئ على المستوى النظري ، وبين ما تمارسه على أرض الواقع، فقد اضحى الانتصار لقضايا المظالم التاريخية للهامش ورفع الظلم عن إنسانها، لا تعكسه الممارسة الواقعية للحركات المسلحة وهي على سدة الحكم. 








 *٢١/ يناير/ ٢٠٢٤* 


 *___________________*

تعليقات

التنقل السريع