القائمة الرئيسية

الصفحات

محمد عثمان عوض الله يكتب : قحت المركزي ورؤيتها لمعركة الخرطوم


*قحت المركزي ورؤيتها لمعركة الخرطوم*
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
الإثنين 7 أغسطس 2023

*مدخل*
تُرى أي شيطان فاشل، سول لقحت المركزي فكرة إقناع الضحايا بأن المجرم الذي وثق هو لجرائمه الشنيعة وأدانه العالم كله عليها، يتساوى مع البطل الذي يدافع عنهم ويطمئنون له ويلتفون حوله؟

 لماذا لم تستطيع قحت المركزي والحزبين الشيوعي والبعثي رؤية الحرب الدائرة في الخرطوم من زاوية الضحايا؟ 

ولماذا لم تقوم بواجب الدفاع عن المواطنين ضد الجرائم الشاملة التي يمارسها الجنجويد عليهم؟

هل سيتفهم المواطنون حياد قحت المركزي حيال الجرائم ضدهم، أم سيرون فيه خذلانا لهم وقد تحولوا الى لاجئين على يد الجنجويد؟


سنحاول في هذا المقال الإجابة على هذه الاسئلة ومن ثم محاولة معرفة الاسباب التي دفعت قحت المركزي لاتخاذ هذا الموقف وأثره على مصيرها السياسي.

*جوهر موقف قحت*
ان جوهر الموقف المعلن لقحت المركزي يتلخص في: عزل الشعب عن طرفي النزاع، أي اتخاذه موقف الحياد بينهما. ولكن بما أن الجنجويد هم الذين يرتكبون الجرائم بشهادة الجميع داخليا وخارجيا، إذاً فان المقصود والمطلوب ليس عزل الشعب عن الجنجويد لأن الشعب معزول تلقائيا عن المجرمين. وانما المطلوب الحقيقي هنا، بالنسبة لقحت المركزي ، هو عزل الشعب عن الجيش. وستتنكب قحت عناء وبذل المجهود اللازم لذلك. وبما أن المواطنين يعايشون مع الجيش دفاعه عنهم. 

إذاً فان فكرة قحت باقناعهم المواطنين بالحياد بين الجنجويد المجرمين وبين الجيش الذي يدافع عنهم، تبدو فكرة مجنون ومستحيلة.

 ومع ذلك ستتنكب قحت العناء وتبذل مجهودا جباراً لتغيير المفاهيم والقيم الأخلاقية والفطرية لدى المواطنيين لتساوي بين المجرم والبطل الذي يدافع عنهم. وسوف تركز خطة قحت المركزي و جهودها، في تكريه الشعب في الجيش، مهما كلفها من ثمن. والوسيلة الوحيدة المجربة لقحت، لقلب المفاهيم والقيم الأخلاقية والفطرية هي خطاب الكراهية لشيطنة من تريد شيطنته. وهنا خطاب الكراهية ضد الجيش يعني تصنيفه سياسيا.

 وتحديدا وصفه بأنه جيش كيزان. وبذلك استهدفت قحت ضرب عصفورين بحجر واحد، هما الجيش والكيزان. 

🔹 *علاقة قحت المركزي مع الجيش*


رغم أن قحت هي من ساقت الثوار في عام 2018 للإعتصام أمام القيادة العامة للجيش. ورغم مابين قحت المركزي والجيش من شراكة في السلطة وقعاها معا و تحالفا لتنفيذيها وفق الوثيقة الدستورية التي ماتزال تمثل مرجعية ومشروعية الحكم (الحزب الشيوعي يسميها بوثيقة شراكة الدم). ورغم أن تحالفهما صمد أمام كل المطبات والمشكلات والفشل المشترك ومعارضة السودانيين له.

 ورغم أنهما خاضا معا مفاوضات أخرى ووقعا في نهايتها المسودة الاساسية لتحالف جديد تحت مسمى الاتفاق الإطاري بوثائقة المعلنة والمخبئة في الأدراج. بل و رغم اجتهاد قحت المركزي الكبير الان، الى المشاركة في المفاوضات الحالية لخلق أي شراكة سياسية مع الجيش وفق منبر جدة أو الايقاد تقودهما معاي، مرة أخرى لأي شراكة. 


ورغم كل هذا التاريخ المشترك، إلا أن قحت المركزي، أرادت الان أن تلعن شريكها وتسبه بأنه جيش الكيزان رغم ما في ذلك من تناقض مع جملة التحالفات الموقعة في جملة التاريخ المشترك بينهما. يكمن التناقض هنا في رغبة قحت الشديدة في كل الشراكات السابقة من أجل السلطة، أما حينما يتعلق الأمر بحرب الخرطوم فان الجيش بالنسبة لها جيش الكيزان.

 ومع ذلك فان قحت على أهبة الاستعداد لتعقد مرة أخرى مع ذات جيش الكيزان، جلسات الحوار الطويلة من أجل شراكة جديدة في الحكم. 


لقد فضح كل هذا التناقض، قحت المركزي واستنزفها أخلاقيا بتهمة خزلان شعبها إزاء جرائم الجنجويد الشنيعة التي حولته الى نازحين. 

🔹 *حسابات قحت*
ترى قحت المركزي ضرورة استمرار شراكة الحكم مع العسكر دون انتخابات وفق الوثيقة الدستورية او الاتفاق الإطاري أو أي اتفاق اخر.

 ورافعتها لتنفيذ ذلك هي قوات الجنجويد. وحينما دب الخلاف بين قادة الجيش والجنجويد في تفاصيل تنفيذ الاتفاق الإطاري، كان موقف الجنجويد متطابق مع موقف قحت بنسبة 100%. 

لذلك دفعته الى عدم تقديم أي تنازلات أمام مطلوبات الجيش. فأُسقط في يدها حينما اندلعت الحرب بين شريكيها. ولكنها لم تيئيس من عودتها مرة أخرى للحكم. فتماهت مبدئيا مع موقف الجنجويد لأنه متطابق مع موقفها. ولذلك لم تستطيع إدانة الجنجويد على جرائمهم وحاولت أولا أن تنسب الجرائم الى مجهول خلال الشهر الأول من الحرب.

 وحينما انتقدها الرأي العام حاولت تنسبها الى طرف ثالث خلال الشهر الثاني من الحرب. وحينما اكتملت إدانة الجنجويد داخليا وخارجيا وتم توثيق جرائمه، شذت قحت المركزي عن هذا الاجماع ونسبت الجرائم الى الطرفين المتقاتلين. 

1/ ترى قحت أن انتصار الجيش على الجنجويد سيجعله في موقف أقوى، يستفرد بموجبه بالحكم. لذا كانت تخذل ضده وتبخس من انتصاراته على الدوام.
2/ ترى قحت أن احتفاظها بوجود الجنجويد كقوة عسكرية، سيساعدها في اضعاف موازين القوى السياسية والعسكرية خصما على مكانة الجيش. لذا لم تدين الجنجويد على أي جريمة.
3/ ترى قحت أن إلصاق تهمة الكيزان بالجيش، سوف يضعف موقفه أكثر وأكثر خاصة عالميا، ويشوش سمعته داخليا، لذا رمت بثقلها الاعلامي للترويج لهذه التهمة. (رغم الشراكة الطويلة الممتدة).

🔹 *إغراق الرأي العام بدعوى أن الجيش جيش الكيزان*

*أولا بواسطة قيادة قحت السياسية*

ابتدر قادة الصف الاول لقحت المركزي، خالد سلك وياسر عرمان، وغيرهم، هذه الدعوة بشن هجوم كاسح ضد الجيش، وليس ضد قيادته. باعتبار شراكتها مع قيادة الجيش، وباعتبار ما سيحدث لاحقا من تفاوض بينهما بامل الوصول الى شراكة جديدة. تستند كل تصريحات قادة قحت على هذه الفرضية لدعوة الناس للحياد. 

🔹 *ثانيا بواسطة قادة الرأي، الكاتب فتحي الضو نموذجا*

١/ كتب فتحي الضو مقالا مطولا. استخدم فيه تكتيكا أعده بإحكام ليقود الرأي العام الى مايريد. 

٢/ لكي يأخذ المواطنين بعيدا عن واقع الجرائم التي يعانونها، فانه أغرق أذهانهم في سيل من الأسئلة الإفتراضية والمبهمة التي تربك القارئ وتجبره قسريا للقفز الى الأمام بعيدا عن الأسئلة الحقيقية التي تعبر عن واقعه وعن ما يعانيه من جرائم الجنجويد. أسئلة من شاكلة: إذا استعان جيش الكيزان بمرتزقة من اسلاميي دول العالم كيف نستطيع تكييف اوضاعهم القانونية وكيف وكيف وأرايت إذا حدث كذا... ؟. 

٣/ بعد أن خدر قراءه بهذا البنج الكامل، وافرغ أذهانهم من محاسبة المجرم الحقيقي. طلب من القارئ ان يوسع دائرة النظر، فلا يستخدم: (ثنائية المعايير البسيطة في قياس تعقيدات المشهد، لتشكيل موقف سياسي موضوعي وناضج). لكن سيناقض فتحي الضو نفسه ويقع فيما حذر منه الناس وهو عدم استخدام ثنائية المعايير البسيطة. فوصف أطراف الحرب بثنائية فوق أنها بسيطة، فانها مخلة حين قال: (كيزان _ جنجويد). 

4/ ناقض نفسه مرة أخرى حين نهى عن خطاب الكراهية بينما حجته في مقاله، كلها مبنية على خطاب الكراهية ضد الجيش لتمرير فرضيتة أنه جيش الكيزان. فوصف موقف الكيزان من الجيش بأنه احتلال (هل توجد كراهية أشنع من الاحتلال؟)، لمفاصل وعقل والعمود الفقري للجيش. ولم ينسى أن يضرب المثل بهيئة العمليات المحلولة. (رغم أن المواطنين ذاقوا ويلات الفراغ الكبير الذي أحدثه قرار حلها، والذي قد يرقى الى مستوى الجريمة). وعلى ذكر استخدامه لخطاب الكراهية الذي نهى عنه، فقد ذكر نصا عبارات الكراهية الاتية في وصف واتهام خصومه: المكابرة، الغرور، الاستعلاء، قلة الحياء، ممارسة الاستاذية، بجاحة مقززة تسبب الغثيان، موت الضمير، الانكار، أحط الأنواع.

5/ وحينما شعر وكأنه تمكن أكثر من ذهنية القارئ، أستمد مزيدا من الجراة، فسخر من المعركة التي يحتاج فيها المواطنين الى من يدافع عنهم ضد الجريمة التي يعانون منها منذ أربعة أشهر، فسخر من تسميتها بمعركة الكرامة بل كال لها السباب فسماها الحرب التافهة بين مستبدين اثنين. (مستبد يمارس الإجرام ضد المواطنين، ومستبد يدافع عنهم).

6/ لم يحترم فتحي ذهنية القارئ بما يكفي، ليحدثه عن الطريقة التي سيتم بها تحرير منزله أو تعويضه عن خسائره او لماذا يساوي بين من يسرقه وبين من يدافع عنه، خاصة وأن المواطن يرى ويعايش الأعداد الكبيرة من الشباب المتطوعيين وقد تركوا خزعبلات فتحي الضو، والتحقوا بالجيش و تدافعوا للدفاع عنه في معركة الكرامة لكنها تافهة عند فتحي!!. 

7/ امعانا في خطاب الكراهية ولمزيد من التشنيع ضد أخلاقية الجيش، فان فتحي استخدم العبارة التالية للتأليب ضد الكيزان: بدأ عهدهم بدق مسمار في راس طبيب وانتهى بخازوق في جسد معلم. أولا دون أن يشير الى اي قرار صادر من اي محكمة أثبتت دق المسار او الخازوق. وثانيا إذا كان معيار فتحي هو استبشاع الجرائم، فكيف يتوقع استجابة الضحايا لدعوته لهم بالحياد أمام الجنجويد الذين يسومونهم سوء العذاب بأسوا أنواع الجرائم !!! هل يظن فتحي أن المواطن الذي تغتصب زوجته أمامه، سيقف موقف الحياد حيال الجيش الذي يدافع عنه ويحاول منع وقوع هذه الجرائم ويقاتل لطرد الجنجويد من منازل المواطنين. هل يظن فتحي أن المواطن سيترك زوجته ملغاة، ويستدعى خطاب الكراهية و يصب جام غضبه في جريمة أخرى فقط نشرها فتحي ولم يتم اثباتها بواسطة أي محكمة!!!!!

7/ ويحدد فتحي معياره بكل وضوح، لتحديد موقفه وموقف قحت المركزي، من الحرب فيسأل السؤال التالي: هل الاقل ضررا هو انتصار الكيزان أم انتصار الدعم السريع؟ ثم يقول: (دينامية الحرب خارجة عن سيطرتنا تماما). إذاً موقف فتحى من الحرب ليس مبدئي ضد الظالم دفاعا عن الضحية، انما يسأل بأنانية مفرطة، عن مقدار الضرر الذي سيلحق بقحت (اسمها الجديد هو وحدة قوى التحول الديمقراطي)٫ حال انتصار أحد المتقاتلين. ويبحث بطمع مفرط عن كيفية السيطرة على دينامية الحرب فيجد قحت خالية الوفاض من كل أدوات السيطرة. لذا يستوجب عليها أن تنطلق من منصة ما تسيطر عليه. لا من منطلق الواجب أو الاخلاق او الدفاع عن المظلومين. (يفترض فتحي بأن ذلك المواطن سيتجاوز الضرر الذي لحق به وبزوجته ليفكر في الضرر الذي سيلحق بقحت حال فوز أحد المتقاتلين)!!!!

8/ أخيرا فان قحت المركزي تتجلى أقصى انانيتها حينما لا ترى بعيون فتحي، في هذه الحرب إلا فرصة للتخلص ممن يشكلون خطرا عليها. 

8/ ان أقسى ما تطعن قحت به الجيش، على لسان فتحي حينما نادى ب: (إصلاح أمني عسكري حقيقي، يعيد بناءه على أسس احترافية ووطنية جديدة في اطار مشروع سياسي). أي الرجوع مرة أخرى الى نفس مشروع قحت الذي اندلعت الحرب بسببه. أي ورشة الخبراء الأجانب تحت نفس المسمى والهدف: إصلاح أمني وعسكري واعادة بناء الجيش. 

🔹 *واقع قحت المركزي*


ان سوء التقدير السياسي والمبدئي، والانانية المفرطة غير المبالية بالنتائج، و اللهث خلف كراسي السلطة باي ثمن، والبحث عن أي رافعة للوصول المستحيل، والاستعداد للتضخية باي ثمن وان كان ملايين الضحايا من المواطنيين، واستخدام خطاب الكراهية لمنازلة الخصوم والادعاءات الكاذبة بما عُرف بالسواقة بالخلاء، والاندفاع الاعمى والتمادي، ثم العمالة سفارة سفارة و بالمكشوف ... الخ.

 كل ذلك وغيره هو ما جعل قحت المركزي تخسر شعبيتها بحيث لا تستطيع مخاطبة أي تجمع شعبي مفتوح أي أنها انتحرت ونحرت معها شريكها الدعم السريع، الذي بسقوطه الأخلاقي وادانته الجنائية وكسر شوكته العسكرية، فقد أصبح فعليا خارج دائرة الحسابات السياسية والعسكرية. 

ثم أنها بسبب هذا الجنون الطفولي، قد نحرت جميع برامجها السياسية سوا كانت الوثيقة الدستورية بنسخها المتعددة او الاتفاق الإطاري بملحقاته المعلنة منها او التي ماتزال مخبئة في الأدراج التي وقعوها طوعا أو تلك التي وقعوها (كراهم فوق رقبتهم)، او كما قال حليفها. 


🔹 *مستقبل قحت المركزي*


إن واقع قحت المركزي الموصوف في المقال أعلاه. والذي ماتزال تكابر جاهدة في البحث عن رافعة أخرى تنشلها منه. هذه المرة هي رافعة المجتمع الدولي عبر مظلة المفاوضات السياسية. ان علاقة قحت المركزي بالمجتمع الدولي الموسومة بالعمالة المقيدة بالكروت الحمراء الموثقة بالصوت والصورة، هي حتما لن تكون رافعة، وانما نازلة تودي بها الى الموت بسلام.

تعليقات

التنقل السريع