مأمون.. والتفكير خارج الصندوق!
إمام محمد إمام
i.imam@outlook.com
يغرق الكثيرون في مرارتهم، فلا يجدون فكاكاً من تداعياتها السالبة عليهم، فتقعدهم عن التفكير الصائب في مواجهة المشاكل والمعضلات، أيما كانت تلكم المشاكل، وأينما حلت، بينما الأمر غير ذلكم، عند الأخ البروفسور مأمون محمد علي حُميدة سُليمان العُمرابي، فهو لا يُغلق نفسه في مراراته. وإن عنت له مشكلة فينظر في حلها من خارج الصندوق، ويعجل إلى الحل بنظرة ثاقبة، ورؤية سباقة، ويأتي بما لم تأتِ به الأوائل! وحجاجي في ذلكم، بعد دراية عن كثبٍ لأكثر من ثلاثين عاماً، في كيفية معالجتها، عندما تدلهم الخطوب عليه، منها في عهد إدارته لجامعة الخرطوم في مطلع التسعينات من القرن الماضي، إذ أضرب الطلاب عن الامتحانات، ولم يلجأ إلى الحل التقليدي، المتمثل في إغلاق الجامعة إلى حين، بينما الطلاب يسرحون ويمرحون في الداخليات، وبعد حين تهدأ الأمور، ويعود الطلاب إلى استئناف دراستهم! ولكنه جاء بحلٍ من خارج الصندوق، وعقد الامتحانات خارج قاعة الامتحانات لأول مرة في تاريخ الجامعة! إلى يومنا هذا لم ندرِ كيف توصل إلى ذلكم القرار الذي أحدث استقراراً أكاديمياً بجامعة الخرطوم لسنواتٍ طوالٍ. والأمر الثاني، لم يغلق البروفسور مأمون حُميدة نفسه في مرارة (Bitterness) يستشعرها عند إقالته من منصب مدير جامعة الخرطوم، بل استلم مهامه التدريسية والبحثية في قسم الباطنية بكلية الطب بجامعة الخرطوم، ومارس الطبابة في مستشفى سوبا الجامعي، بصورةٍ طبيعيةٍ، كأن لم يُظلم بذاكم القرار! ولم يكتفِ بذلك، بل بدأ يفكر مليَّاً في إنشاء كلية طب ضمن مصفوفة جامعية، مما حير كبار أساتذة جامعة الخرطوم، وأدهش رسلاؤه الأطباء! فلا غروَّ، أن التقاه البروفسور فيصل تاج الدين نائب رئيس جامعة الخرطوم الأسبق، فبادره قائلاً مستغرباً: “علمتُ أنك تُريد إنشاء كلية طب، أنت قائل نفسك كتشنر؟”! إشارة إلى اللورد كتشنر الذي أنشأ كلية الطب بالسودان في عام 1924! واستشهدت كتابةً وإذاعةً وتلفزةً، في أكثر من مناسبةٍ، ما قاله ليَّ الأخ الصديق البروفسور محمد أحمد علي الشيخ مدير جامعة الخرطوم الأسبق وابن دفعة البروفسور مأمون حُميدة في مدرسة خور طقت الثانوية وكلية الطب بجامعة الخرطوم، إن مأمون أفاده بأنه يعتزم إنشاء جامعة! فقلتُ له نحن الأطباء غاية تفكيرنا يذهب إلى تأسيس عيادة وليس جامعة!
في رأيي الخاص، أن مأموناً عندما يرفع شعاراً، تجده يعمل جاهداً، إلى إنفاذ شعاره واقعاً وعملاً، من ذلك شعار جامعته “التميز”، فحقق ذلكم بحصول جامعته (جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا) على الاعترافات الجامعية من الجامعات والمؤسسات التعليمية الإقليمية والعالمية، وحقق ذلكم بفضل من الله ونعمته، وبجهدٍ مقدرٍ من أساتذة الجامعة، حتى صارت جامعته قِبلة للطلاب النجباء، يأتون إليها زُمراً وفُرادىً من داخل السودان وخارجه، إذا استوفوا شروطها وشرائطها. واستحوذت على كثير اعترافاتٍ وشهادات التقدير من المنظومات والجامعات الأوروبية والأميركية، ويُزاحم خريجوها نظراءهم من أرقى الجامعات الأميركية والأوروبية في سوق العمل داخل السودان وخارجه.
وأكبر الظن عندي، أنه فاجأ الحضور عند مخاطبته احتفائية استقبال الطلاب الجدد، رفع شعار (Go Africa) (الذهاب إلى أفريقيا)، فكان وقتذاك قد بدأ بالفعل استثماراً في روندا، وزار تنزانيا وبورندي قبل اندلاع الحرب في السودان. ووجد ترحيباً وتشجيعاً من المسؤولين في تلكم البلدان، حيثُ استقبله رئيس الوزراء البورندي، ووعد أن يساعد بورندي في تأسيس كلية للصيدلة في جامعة بورندي. وساهم بنشاطٍ أكاديميٍ ٍ كثيفٍ في تنزانيا.
أخلص إلى أنه بعد إندلاع الحرب في السودان، وضمن تفكيره خارج الصندوق، لم ينتظر كثيراً، بل نفذ شعاره الذهاب إلى أفريقيا، حيثُ قرر أن تنتظم الدراسة المباشرة لطلاب كلية الطب في تنزانيا بالتعاون مع إحدى جامعاتها. وبالفعل انتظمت الدراسة هناك لأكثر من شهر، حيثُ باشر بنفسه على استقبال الطلاب، واستعان بتوظيف أساتذة وأطباء، لإكتمال العملية التدريسية والتدريبية. وقد نشرت إحدى الصحف التنزانية، خبر تعاون جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا وجامعة تنزانية.
وكذلك انتظمت الدراسة بالنسبة لطلاب كلية إدارة الأعمال عبر التعليم الإلكتروني (Online)، منذ شهر مايو (إيار) الماضي. ووجه البروفسور مأمون حُميدة رئيس مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا إدارة الجامعة إلى استئناف الدراسة بالنسبة لطلاب كلية الصيدلة وكلية الإعلام عبر التعليم الإلكتروني (Online) بعد عطلة عيد الأضحى، على أن تنتظم الدراسة بالنسبة لبقية كليات الجامعة عبر التعليم الإلكتروني (Online).
ولمَّا أعلن بعض أصحاب العمل، إعطاء منسوبي مؤسساتهم وشركاتهم إجازة بدون مرتب، نتيجةً لحرب السودان، وجه البروفسور مأمون حُميدة الإدارة المالية بالجامعة إلى صرف رواتب جميع العاملين بالجامعة، وظل يتابع هذا الأمر بنفسه حتى يطمئن على أن منسوبي جامعته داخل السودان أو خارجه يحصلون على استحقاقاتهم المالية. وهذه لعمري لفتة إنسانية منه، أُستقبلت بالتقدير والعرفان من جميع منسوبي الجامعة.
تعليقات
إرسال تعليق