كثر مؤخراً الحديث عن وجود تجاوزات في التعيينات وعمليات الإحلال والإبدال في قطاع النفط بالسودان، خاصة بعد توقيع اتفاقية جوبا للسلام اكتوبر 2020م، وانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في اكتوبر 2021م.
معظم هذه الأحاديث ذهبت إلى أن عملية «التمكين الجديد» في القطاع اتخذت طابعاً قبليا ، علاوة على أحاديث عن تجاوزات وحالات فساد كثيرة متصلة بالعمل في هذا القطاع الحيوي الحساس.
و«التمكين» مصطلح ارتبط بحزب المؤتمر الوطني «المحلول» بقيادة المخلوع عمر البشير الذي ظل حاكماً منذ العام 1989م تحت مسميات مختلفة حتى لحظة سقوطه في أبريل 2019م، حيث مكن لمنسوبيه ومحاسيبه في أجهزة الدولة المختلفة وأطلق أياديهم لنهب ثروات البلاد، إلا ان المحسوبية على الأساس المناطقي(شمال ووسط السودان)، والقبلي كان حاضرا بقوة.
ذكر القيادي بحزب المؤتمر الشعبي في مقابلة صحفية مع صحيفة أجراس الحرية عام 2008 ان التمييز الجهوي والقبلي في عهد الإنقاذ بلغ درجة ان احد حكومات الإنقاذ كان فيها ثمانية وزراء من ” حِلَّة ” واحدة بولاية نهر النيل!!
عانى قطاع النفط في السودان من إشكاليات كبيرة مؤخراً حيث تراجع الانتاج إلى «47» ألف برميل يومياً مقارنة بـ«110» ألف برميل سابقاً، فيما تشهد مناطق الإنتاج بغرب كردفان هجمات متكرّرة من مواطنين في المنطقة بحجة انعدام التنمية وعدم منحهم نصيبهم من عائدات النفط وتعيين أبنائهم في القطاع.
نصوص الاتفاق وتجارب سابقة
ومنحت اتفاقية جوبا للسلام «اكتوبر 2020م» الموقعين مناصب تشمل «وكلاء الوزارات، السفراء، الجهاز القضائي، البنوك، مجالس إدارات الشركات… إلخ»، إضافة لتعيين «20%» من أبناء دارفور في السلطة القضائية، وكذلك تخصيص «15%» من التخصصات الطبية والبيطرية والهندسية والإنتاج الحيواني، المختبرات الطبية، الصيدلة وغيرها لأبناء دارفور لمدة «10» سنوات.
وسبق أن رفض النظام البائد منح نسب مشابهة في وزارات النفط تحديداً للموقعين على اتفاقية السلام في العام 2005م بحجة عدم وجود كفاءات، وظلت بعض المناصب المخصصة لهم شاغرة لفترة طويلة.
وفي سياق الاتهامات الموجهة لقيادة القطاع في التسبب بالوضع الحالي لقطاع النفط، قال مصدر بإحدى الشركات الحكومية العاملة في النفط لـ«التغيير»، إن «التمكين الجديد» لمنسوبي الحركات المسلحة أو التعيينات غير القانونية ومحاولة السيطرة على الوزارة، يقف وراءها حزب سياسي جماهيري عتيق، كانت له حصة في المنصب الوزاري فاستغلها الوزير وقام بتعيين أبناء منطقة محددة تعييناً إثنياً.
وأشار إلى أن التعيينات اتخذت أشكالاً مختلفة، فبعيداً عن تمكين الحزب الجماهيري، تم تعيين شقيق لأحد مستشاري نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي كمدير لإحدى أكبر الشركات في المجال.
ونوه المصدر إلى أنه، وعقب الانقلاب، فازت شركة تعمل في المجال الأمني بعطاء تحوم حوله شبهات فساد، واتضح أن الشركة تابعة لجهة سيادية عليا.
بعد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 اكتوبر، تم تعيين كل منسوبي شركة الأمن من منطقة حدودية بالسودان- وبحسب المصدر- فإن معظم منشآت النفط الآن يحرسها هؤلاء الأشخاص المنتمون لتلك المنطقة.
ونوه إلى أن هنالك حادثة مشهورة في شركة «سودابت» تم من خلالها فصل «80%» من المتدربين الذين قضوا فترات تدريبية ودورات مختلفة لصالح تعيين موظفين من ذات المنطقة الجغرافية التي تحاول السيطرة على الوزارة.
وقال المصدر: «الشلة الموجودة حالياً مسيطرة على قطاع النفط بطابع قبلي، هؤلاء أصلا منتسبين للمؤتمر الوطني، ولكنهم يعتزون بانتمائهم الجغرافي والمناطقي أكثر من انتمائهم للحزب الذي اتخذوه مطية حتى يصلوا لمبتغاهم.. حالياً هذه الشلة تمارس في تمكينا قبليا بمؤسسات النفط».
وألمح المصدر إلى وجود تحالف غير معلن بين منسوبي الحزب مع الإدارات الأهلية الموالية للحركات المسلحة في مناطق البترول والتي كانت تهدد الحكومة بتخريب المنشآت النفطية في مناطق الإنتاج.
وأضاف: «لذلك استغلوا هذا الأمر وأدخلوا أهلهم للوزارة، وفي المقابل غضت الحكومة الطرف عن هذا الأمر خوفاً من تخريب منشآت النفط».
مؤخراً تم فصل «57» موظفاً بشركة بشائر الحكومية لخطوط الأنابيب دون سابق إنذار، معظمهم خبرات ومؤهلين يعملون في الشركة التي تشرف على خط بترول ينقل نفط جنوب السودان بطول «1041» كلم ويضم «5» محطات ضخ ومعالجة.
وأكد المهندس محمد عوض، أحد مفصولي شركة بشائر خلال مؤتمر صحفي في وقتٍ سابقٍ، أنه تم فصل تعسفي لـ«57» من خيرة الموظفين بشركة بشائر لخطوط الأنابيب المملوكة للحكومة بنسبة «90%» و«10%» لشركة «سودابت» بعضهم لديه خبرة «15» عاماً، وساهموا في خطوط الأنابيب في معظم مشاريع التصميم والتنفيذ والخط.
ووفقاً لقانون الشركة فإن أي قرار يتم بموافقة ثلاثة أشخاص هم مدير الشركة ومدير الأنابيب ومدير الشؤون الإدارية، لكن قرار الفصل لم يتم بموافقة الثلاثة أعضاء في اللجنة المسؤولة عن إدارة الشركة.
ونبه عوض يومها، إلى أن الشركة حققت أرباحاً عاليةً بلغت «400» مليون دولار في العام الماضي، كما أن المصروفات لم تتعد الـ«80» مليون دولار.
وأكد أن الشركة تنقل «110» آلاف برميل ولم تواجهها أي مشكلة تتطلب اللجؤء للهيكلة، وقال: لذلك نطالب الدولة بالتدخل لمعرفة كيفية فصل هؤلاء الموظفين».
رشا ميرغني- سكرتيرة تنفيذية لمكتب المدير بشركة بشائر، قالت إن الذين تم فصلهم من الكفاءات بطريقة تعسفية سرية، تفاجأوا بالقرار وهم في العمل.
وأضافت بأن ما تم كان بغرض إحلال وإبدال لآخرين لدرجة أن بعض الموظفين تم تصعيدهم محل زملائهم ولا يتمتعون بنفس درجة الكفاءة، كما تم فصل شباب من أوائل الجامعات والكليات وإبقاء آخرين على أعتاب المعاش.
وذكر مصدر آخر لـ«التغيير»، أن الحديث عن «تمكين جديد» عبر حزب محدد أو حركات الكفاح المسلح، أمر لا يمكن تأكيده بصورة قاطعة، لكن المتفق عليه أن هنالك تمكين إثني في الوزارة والشركات الحكومية التابعة للوزارة خاصة في بشائر وبتروإنرجي.
وقال: هنالك نماذج كثيرة، مثلاً تم تعيين مدير لإحدى الإدارات بطريقة فيها تجاوز كبير لدرجة أنه تخطى ثلاثةً من زملائه المستحقين للمنصب، هذا الشخص لا يمتلك المؤهلات والخبرة الكافية للمنصب».
وسبق أن رفضت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام الاتهامات بتعيين منسوبيها في الخدمة المدنية بطريقة غير قانونية.وأكدت أن المصفوفة المحدّثة للاتفاقية تضم «25» بنداً تشمل تصنيفاً لقضايا وفصول الاتفاق المطلوب فيها إجراءات للتنفيذ الفوري مثل تلك التي تحتاج إلى قرارات عاجلة، وأخرى تحتاج إلى مواقيت تتراوح بين ثلاثة أشهر، وأشارت إلى أن الحكومة لم توفِ حتى الآن بكافة الاستحقاقات بما فيها نسبة التعيين في الوظائف بالخدمة المدنية.
تعليقات
إرسال تعليق