القائمة الرئيسية

الصفحات

رؤيا


 عبد الحفيظ مريود

هكذا كان يا سادتى
 الطرفة تقول إنَّ أحداً سألَ تشاديّاً:"كيف تفرّقون بين الزّغاوى التشادىّ، والزّغاوىّ السُّودانىّ؟"، وذلك باعتبار أنَّ الزّغاوة من القبائل المشتركة، والتى لا يتمكّنُ أحدٌ من تبيُّن الفروقات بين أفرادها من حاملى الجنسيتين، فإجابه التشادىّ "إذا وجدتَ زغاويّاً كثير الكلام، فهو سودانىّ. هذا هو الفرق بينهما". قبلها، وعلى أيّام فرز الكيمان بين إثيوبيا وإرتيريا، التغراى قوميّة مشتركة، سُئلَ رئيس الوزراء الإثيوبىّ ميلس زيناوىّ، كيف تفرزون من هو إرتيرىّ؟ فأجاب :"أىّ شخصٍ من التغراى لا يعجبُنا، فهو إرتيرىّ".
 تعقيباً على الوفد الكبير الذى قاده نائب رئيس مجلس السيّادة، الفريق أوّل محمّد حمدان دقلو إلى أنجمينا، فى إطار التعزية فى وفاة الرئيس التشادىّ، كتب أحدُهم معلّقاً "منذ متى كانت تشاد ذات أهميّة للسُّودان؟ حتّى يذهب رئيس مجلس السيّادة للتشييع، ونائبُه على رأس وفدٍ رفيعٍ للتعزية؟ أمْ أنَّ نائب السّيادىّ يعتقد أنَّ السُّودان ملكاً لأبيه".
 فى المرويّات الشفهيّة، فيما بعد اشتغل عليها الفلكوريون والمؤرخون، تقول الرواية العمدة، إنَّ النزاع وقع بين الخزام وأبناء الجنيد فى البطحاء، قريباً من بحيرة تشاد. واجتمع أبناء الجنيد "عطية وحيماد وراشد الولاّد"، وذراريُّهم لنزال الخُزام، وقد كان الخزام شرسين، شديدى البأس، والنّزاع حول الكلأ والمرعى. لكنَّ أهمَّ "مخرجات" النّزاع ذاك، هو أنْ تسرّبَ الكثير من أبناء الجنيد إلى دافور وكردفان، مشكّين ما صار يُعرَفُ ب "حزام البقّارة"، الذى وصل حتّى تخوم النّيل الأزرق. رافدينَ ارض المليون ميل بما يقدّر تعدادُه بثمانية إلى تسعة مليون نّسمة. لا يمكنُ الطّعن فى سودانيّتهم، من قبيلة كنانة، حتّى التعايشة، مروراً بالسّليم، الحوازمة، المسيريّة، الرّزيقات، الهبّانية، البنى هلبة. وذات أبناء الجنيد بقىَ منهم "أبّالة" فى شمال دارفور، متفرّعين إلى بطون وأفخاذ. لم تنقطع صلاتُ هذه القبائل الكبرى بأهلهم فى "البطحاء"، حول بحيرة تشاد ودخولاً فى عمق النّيجر، مالى وغيرها. لا يتنكّرون لهم، ولا يسدّون أبوابهم دونهم. 
 من جهةٍ أخرى، فإنَّ إمتدادات الزّغاوة، القرعان، المساليت، التّاما، الكانمبو، الفولانىّ، البرنو، فى تشاد والدّول المعروفة بالحزام السُّودانىّ لا يمكنُ إنكارُها أو بترُها، فقط لأنَّ هناك آخرين لا امتداد لهم، يحتكرون السُّودانويّة. ينطبق الشيئ ذاته على الشّرق، فيما يخصُّ البنى عامر، الحباب، اللحويين،الرّشايدة وبعض بطون الهدندوة. على مستوى مصر: ثمّة العبابدة، البشاريّون، النوبيّون، الكنوز (الكنوز ليسوا نوبيّين، قطعاً).
 كيف نفرّقُ بين مَنْ هو سودانىّ، ومَنْ هو غير سودانىّ وسط هذه القبائل الكبرى شرقاً، غرباً وشمالاً وجنوباً؟ بمناسبة الجنوب الذى لم يعُدْ أحدٌ يذكرُ تداخلاته مع الشّمال، ثمّة جنرال محنّك من دينكا نقوك، وهم شماليّون بالمعنى الدّقيق للكلمة، فى الجيش السُّودانىّ، يقودُ قواتنا فى الشّرق فى استرداد الفشقة من تغوّلات الإثيوبيين، لا يعرفه أحد. هذا فضلاً عن أنَّ هناك قبيلة كبيرة تُسمّى "البنقا"، أراضيها تقع فى جنوب دارفور، محلّية "الرّدوم"، بلداتها المعروفة هى :حفرة النّحاس، كفيا قنجى، الرّدوم، سنقو، وغيرها. تعتبرُ جزءً من الفراتيت الكبرى، سكّان راجا فى الجنوب، لا تستطيع أنْ تفرّق منهم السُّودانى من غيره إلّا ب "كثرة الكلام"، أو كما هو الحال مع الزّغاوة.
 على الكثيرين، قبلَ التجاسر على التعليق، والرّشاقة، أنْ ينظروا فى مكوّنات السُّودان، وكيف تشكّلتْ، وألّا تحبسهم حدود الدّولة القطريّة التى رسمها المستعمر، فتفطّر (تجعلها فطيرة) رؤاهم وتحليلاتهم. على انّنى أقترحُ على وزارة الدّاخلية، وقسم الهويّة عندها، أنْ يضيفوا إجابة التشادىّ لمحدّدات السّودانويّة : أىّ زول كلامو كتير، فهو سودانىّ...حتّى ولو كان خواجيّاً.

تعليقات

التنقل السريع